«
ومن عقائدهم الواهية السخيفة أن النبي والامام ليسا بممتازين عن سائر الناس ، ولا فرق بينهما وبين أفراد اخر الا بتعلق تكليف به من الله ينصبه علما لرسالته وتبليغ احكامه ، أو بتصويب الناس واختيارهم وانتخابهم من يشاؤون ولو لم يكن أعلم الامة وأفضلها واتقاها ، وهم في هذا القول شركاء الكفار ، حيث قالوا ـ فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما هذا الا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم ولو شاء الله لأنزل ملائكة .
نعم لهم أعين لا يُبصرون بها الحقائق والآيات الإلهية ، ولهم آذان لا يسمعون بها الأصوات الغيبية والدعوات الربانية ، ولا يرون الا ظواهر هذا العالم ، ولا يقبلون كرامة ولا فضيلة ومقاما الا بما يشاهدون بنظرهم المادي المحدود ، ثم يسوّون بين افراد الناس ، ولا يختارون من اصطفاه الله واختاره .
أخبار اصبهان : عن أبي هريرة قال : سمعت النبي « ص » يقول : اذا خلق الله خلقا للخلافة مسح بيمينه على ناصيته (2) .
أقول : الناصية عنوان الوجه ، وفيها يظهر اثر النور والظلمة والتوجه الى الله تعالى . ومن مسحت ناصيته بيد الله تعالى فهو على نور من ربه . وهذا في مقابل
--------------------------------------------------------------------------------
1 ـ نهج البلاغة خطبة 4 .
2 ـ أخبار اصبهان ج 1 ص 130 .
--------------------------------------------------------------------------------
من أخذت ناصيته ، كما قال تعالى : يُعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام .
وقد قال الله تعالى : أم يحسدون الناس على ما آتيهم من فضله فقد آتينا آل ابراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما . وقال تعالى ـ ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل ابراهيم وآل مران على العالمين . وقال تعالى ـ يا مريم ان الله اصطفيك ، وطهرك ، واصطفيك على نساء العالمين . وقال تعالى ـ ان الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء .
وانهم لم يفهموا أن التكليف والتشريع تابع للتكوين ، ولا يكلف الله نفسا الا وسعها ، ولا يُكلف الله نفسا الا ما آتاها ، ولا تُكلف نفس الا وسعها . فكما ان الحيوان ليس له وسع التكاليف الانسانية ؛ فالانسان العادي ليس له وسع الوحي والالهام والتكليم ، ولا يمكن تعلق التكليف والتشريع الا بعد أن آتى الله ما به يتحقق الاستعداد والتحمل والوسع ، وكما ان الاستعداد من جهة الصفات النفسانية والأخلاق باطنية مختلفة شدة وضعفا كذلك مراتب النفوس ودرجاتها متفاوتة . بل الصفات والأخلاق النفسانية والقوى الباطنية كلها من اطوار النفس ، والنفس في وحدتها كل القوى .
وهذا امر ثابت في الفلسفة الالهية ، بل أمر مسلّم محسوس مقطوع لمن تدبر ونظر ثم نظر وتدبر ، ولا ينكره الا من حُرم من البصيرة ، وأبعده الله عن الحقيقة ، وليس له من الروحانية نصيب ، وفي أبصارهم غشاوة .